أوائل الشتا>>>


شعوري بالراحة والأمان في الصيف لا ينفي حبي العظيم لفصل الشتاء رغم كل ما يسببه لي من ضرر نفسي، ولكن هذه هي القاعدة في الحب.. أننا لا نحب إلا ما يؤذينا ،أننا لا نحب سوي من يعذبنا، نحب الشتاء والسهر والدخان والنساء والوحدة والشهرة والكتابة ونادي الزمالك والأغنيات الوطنية.

أحب الشتاء رغم مناعتي الضعيفة التي لا يفلح معها أمصال أو ملابس ثقيلة، أحبه رغم شمسه الخائنة التي يغلق غيابها كل مسام الروح، أحبه رغم رياحه التي تقطع الإرسال عن تليفزيوني بالأيام، أحبه رغم قسوة المشوار من أسفل ماء الدش الساخن إلي الغرفة، أحبه رغم ليله الطويل الذي يمتلئ بالوحشة بلا مقدمات بلا نهاية.

أحب إكسسواراته.. الذقن الطويلة والآيس كاب والحذاء ذو الرقبة والجوارب الصوف والكوفية السيناوي الطويلة لكنني أكره مشاوير البي بي الكثيرة التي يرغمني عليها الشتاء وأكره ما تتعرض له الكوفية في كل مشوار منها، أحب شدة سوستة الجاكيت إلي نهايتها أمام باب العمارة عند الخروج، لكنني أكره اللحظات التي تتعطل فيها السوستة في منتصف طريقها واضطراري إلي العودة من البداية عدة مرات حتي تنزلق بنعومة إلي مستقرها الأخير، أحب الأشكال التي يصنعها دخان السجائر بفعل الرياح أثناء المشي في الشوارع بعد المطر لكنني أكره فشلي المتكرر في إشعال السيجارة بسبب تيارات الهواء الخبيثة، أحب المطر عندما لا يكون متوقعًا ولذلك أكره الضباب، أحب وقار البالطو وخفة دم الكبار الذين يصطحبون مظلاتهم البيضاء عند خروجهم من البيت تلك المظلات التي غالبًا ما اصطحبوها في العمرة أو الحج أحب منظرهم تحت المطر ولكنني أكره الطين الذي أعود به إلي منزلي في نهاية اليوم، أحب مرتدي القفازات الصوف لأنهم يذكرونني بأيام المدرسة ولا أحب مرتدي القفازات الجلدية لأنهم لا يذكرونني بشيء، أحب برودة أطراف الأصابع عندما يجف فوقها ماء فصوص البرتقال لكنني أكره العلامات التي تركتها خرزانة الناظر فوق الأصابع نفسها في شتاء قديم بسبب الوصول للمدرسة متأخرا، أحب رائحة البطاطين وأحب ثقل اللحاف فوق جسدي ولكنني أكره رنة المنبه التي تعظم إحساسي بالدفء وتؤنب ضميري في اللحظة نفسها، أحب دائرة البخار التي أصنعها بفمي علي الزجاج لأرسم فوقها قلبي بطرف إصبعي وأكره اللحظة التي أراه فيها يذوب سريعا كعادته حتي لو كان مجرد رسم ببخار الماء.

أشعر بالأمان في الصيف لكنني لا أستطيع أن أنفي عشقي للشتاء، أعشقه للدرجة التي تجعلني أشرع مبكرا في إخراج ملابسي الشتوية لفحص ما أتلفته العتة ولتنظيفها، أعشقه للدرجة التي تجعلني أرتدي ملابس أثقل قبل الأوان، أعشقه للدرجة التي تجعلني لا أستمع هذه الأيام إلا لأغنيات فيروز، أعشقه للدرجة التي جعلتني منتشيًا عندما عرفت أن ابن شقيقتي قد استلم كتب المدرسة، أعشقه للدرجة التي تجعلني أتشمم رائحته ليلا في البلكونة وكلي حنين، وقفت بالأمس أدقق في رائحة الهواء من حولي في محاولة لمعرفة الرائحة المميزة للشتاء، اكتشفت أن بدايات الشتاء عندي ارتبطت برائحة السحابة السوداء، أخذت نفسا عميقًا فاكتشفت أن الهواء مازال نقيًا، أخذت نفسًا آخر وأخرجته ببطء وأنا أواجه نفسي بالاعتراف الأغرب في حياتي (أنا مفتقد السحابة السودة).

¡Compártelo!

Buscar

 

Followers

KeLmTnA,,anywhere! anytime! anyone! Copyright © 2011 | Tema diseñado por: compartidisimo | Con la tecnología de: Blogger